فاضل الأسود
مجلة القاهرة
رقم العدد : 61
تاريخ الإصدار : 15 يوليو 1986
صفحة 98
إن العرض المسرحي "بداية ونهاية" يعد عملًا مسرحيًّا مهمًّا لا يمكن المرور به غير حافلين أو ملتزمين، بل لعله يرقى فوق مستوى الحدث المسرحيّ لكي يصبح في مرتبة الظاهرة. ونحن أمام الظواهر لا نملك إلا الوقوف المتأني بغرض الفهم، والشرح، ثم التفسير. وربما كانت تجربة العرض المسرحي "بداية ونهاية" تثير من التساؤلات أكثر مما نجده في ثناياها من أجوبة.
لماذا؟
أول ما يتبادر إلى الذهن من أسئلة هو لماذا وقع اختيار "فناني الجيزة" على نص "بداية ونهاية"؟ هل لأنه عمل معروف لكاتب مشهور تتعدى شهرته مجال الرواية إلى السينما والتليفزيون، اللذان تعاملا مع معظم أعماله الفنية؟
لكن وجود اسم نجيب محفوظ على أفيشات الدعاية في الشوارع ليست الضمان الكافي لجماهيرية العرض، فنجيب محفوظ مؤلف روائي أولًا وأخيرًا وهو يسطر أعماله دافعًا بها إلى المطبعة كي يقتنيها القارئ فقط ولا أظن أن نجيب يضع في حسبانه مطلقًا نجوم السينما أو المسرح، ثم هو مسئول عما يكتبه على الورق ويصل به إلى القارئ فوق صفحات الورق أيضًا، وهو لا يمل من تكرار عبارته الشهيرة بأن مسئوليته تكون فقط عمَّا يكتب، وهو غير مسئول عما يفعله الغير بأعماله، سواء للسينما أو المسرح (ذكريات وحديث مع نجيب محفوظ - الآداب - بيروت - 1967).
ونجيب محفوظ، فوق ما تقدم، ليس بكاتب مسرحيّ، حتى لو نُقِلَت بعض أعماله إلى قاعات العرض المسرحيّ، وهو نفسه لم يبادر بنقل أعماله الروائية من خلال الإعداد المسرحيّ المناسب لها كي تمثُل فوق خشبة المسرح، رغم أنه مارس الكتابة للسينما مرات عدة سواء بالشكل المباشر ككتابة قصص وسيناريوهات أفلام غير مأخوذة عن أصول روائية، وكذلك بالطريق غير المباشر من خلال إعادة كتابة صيغ درامية لبعض أعماله الروائية. ولقد قام نجيب محفوظ بنفسه، وبمشاركة "صلاح عز الدين" بكتابة سيناريو فيلم "بداية ونهاية" حيث أخرجه صلاح أبو سيف عام 1960.
ولا يتبقى في تلك النقطة إلا أن يكون العمل المسرحيّ من "ريبرتوار" المسرح القومي، فيَسهُل الحصول عليه، وعلى مجموعة فناني العرض. صحيح أن المسرحية مملوكة للمسرح القومي، لكنها تؤدَى هذه المرة بواسطة مجموعة جديدة لم يكن لها صلة بالعمل، كما قُدِّمَت في المرة الأولى بإخراج عبد الرحيم الزرقاني. ومن ثمَّ، فإن اختيار ذلك النص، ليس بسبب جماهيرية المؤلف، ولا هو بسبب توفُّر عناصر بشرية سبق لها أداء التجربة نفسها من قبل.
ذاكرة المتفرج
كتب نجيب محفوظ روايته عام 1949، ثم أُعيد طبعها خمسة عشر مرة، وقُدِّمَت للمسرح والسينما من قبل، ولقد قام كاتب السيناريو بصياغة المعالجة الدرامية على نحو موفق كي يتلاءم مع طبيعة وسيلة العرض الفنيّ (السينما)، كما أن "صلاح أو سيف" أضفى من حسه الخلَّق في ضوء المعالجة السينمائية، ما جعل الشريط السينمائي وقد اصطفى كل قطرة رحيق متبقية داخل العمل، ومن ثمَّ، فإن تكثيف الأحداث الدرامية داخل شريط السينما بواسطة السيناريو والرؤية الخلَّقة من خلال الإضافة والحذف، وكذلك اللمسات الفنية من خلال عناصر الإخراج المختلفة، بما فيها قيادة الممثلين وتعبيرهم الفنيّ صار عنصرًا مميزًا في فيلم "بداية ونهاية".
إن المقارنة بين العملين أمر ضروريّ ومحتمل، واستعادة ما علق بالذاكرة من بقايا العمل السينمائيّ أو المسرحيّ في الماضي شيئًا حتميًّا. ومن هنا، فإنه يحسب لـ"جمعية فناني الجيزة" تلك الشجاعة والإصرار على تقديم عمل مازالت الأذهان تعي تفاصيله دونما خوف أو تردد. لكن الإقدام على التجربة والشجاعة لا تعني بالرد على تلك النقطة ما لم يسبقها الإعداد المناسب.
صحيح أن الأداء المتمكن والذي ينساب في عذوبة وسهولة يمكن أن تلمحه عند "فريد شوقي" في دور المغني "علي صبري"، و"محمود ياسين" في دور الأخ الأكبر "حسن أبو الروس"، بحيث يمكن القول أن شخصيتا طبعتا 1960 و 1986 قد تنافستا بشرف، واجتازتا السباق، وأحرزتا النجاح والتفوق. وربما ظلم الإعداد المسرحيّ بعض الشخصيات وكبَّلها وشلَّ من حركتها نحو الانطلاق والتحليق.
إن إعادة تقديم الأعمال الفنية الخالدة أو التي حققت نجاحًا واسعًا هو أمر مألوف، وهو أيضًا مطلوب، كما أنه يصبح فرصة لا تعوض للفنان المعاصر أن يتوج نفسه مرة أخرى فوق منصة النجاح، رغم ما في ذلك من مخاطرة وتحدي، في حال كانت النتيجة في غير صالحه.
لكن إعادة تقديم العمل الفنيّ لا تعني استعادة التفاصيل الحرفية كلها، وإلا كان الأوفق دائمًا هو استعادة متعة العرض القديم بأبطاله الأوائل، ومن هنا تبرز أهمية وخصوصية الرؤية الجديدة من خلال العمل في كل مرة. لذا، فإن المخرج ومعه المعد لا بد أن يجدوا بين ثنايا العمل الفنيّ ما يستحق التركيز عليه أو إعادة كشفه أمام المتفرج.
والرؤية الجديدة لا تعني بالضرورة رؤية معاصرة، ولعل درس "شكسبير"، وإعادة عرضه في مختلف بلاد العالم وداخل (بريطانيا) نفسها بأساليب ورؤى مختلفة هوما يزيد من قدر متعتنا في كل مرة سواء كانت من خلال العرض المسرحي أو السينمائي.
كيف؟
في كتاب "عشرة أدباء يتحدثون" من سلسلة كتاب الهلال، إعداد فؤاد دوارة، يقول نجيب محفوظ ما يلي حول نفسه وعن بعض زملائه من جيل الكتاب: "عادل كامل وزكي مخلوف وأنا كنا نعاني من أزمة نفسية غريبة جدًا طابعها التشاؤم الشديد والإحساس بعدم قيمة أي شيء في الدنيا .. كنا كأبطال "كامو" قبل أن يكتبهم".
ويقوم نجيب محفوظ في روايته "بداية ونهاية" بمحاولة دعم هذا التصور النظري أو المجرد بعض الشيء عندما يصور حياة أسرة قاهرية من البرجوازية الصغيرة مات عائلها فجأة وتحيطها الشرور والكوارث من كل جانب.
ذلك أن نجيب محفوظ كما يراه الدكتور "عبد المحسن طه بدر" في كتابه "الرؤية والأداة" تغلب عليه نظرة بالغة التشاؤم والسواد إلى مستقبل البشر، "والإنسان منذور للمأساة التي تمثِّل قدره ومصيره ونهايته. والحياة الإنسانية في تطورها تتقدم نحو الكارثة، والإنسان لا يتقدم في طريق الخلاص ولكنه يتقدم في الاتجاه المضاد ويمعن إيغالًا في قلب الليل، وسر تخبطه ومأساته يعود إلى اشتعاله بلذات الجسد وبعده الدائم والمستمر عن خلاص روحه". وهو ما يمكن إرجاعه إلى البدايات الأولى لأعمال نجيب محفوظ في "المجلة الجديدة" بعنوان "اختصار معتقدات وتولد معتقدات" - عدد أكتوبر 1930 (من كتاب "الرؤية والأداة").
ونجيب محفوظ يُسلِّط سيف عقابه على جميع أفراد الأسرة بالموت أو السجن أو الضياع. وإذا كان قد عبَّر بصدق عن تلك الحالة من التمزق والتوتر والطموحات المهلكة، ذلك أنها سمة تلك الطبقة من البرجوازية الصغيرة. وربما كان ذلك هو المدخل الصحيح والأكثر معقولية في فهم جو الرواية، والذي كان لا بد أن يتم مراعاته والتأكيد عليه داخل العرض المسرحيّ، حتى يمكن نقل رسالة المؤلف في سهولة إلى عقل وقلب المشاهد.
وفي الأصل الروائيّ كما كتبه نجيب محفوظ قد نجد وشائج دقيقة تربطنا ولو من بعيد ببعض أبطال العمل الروائيّ وتنمي فينا قدرًا يسرًا من التعاطف مع بعض مشكلاتهم المعيشية، والعطف على أمنياتهم، وربما الخوف على بعضهم. ولكنه تعاطف محسوب وخوف مؤقت، ذلك أن العمل الروائيّ في مجمله لا يحسم قضية "من يظلم من؟"، وهو أيضًا لا يشير ولو على استحياء "من كان ضحية من؟"، بل أن الأمر يختلط ليصبح الجميع ضحايا لقسوة وظلم الجميع، خاصة وأن نجيب محفوظ يعود مرة أخرى ليصرح بأن دخلًا قدره خمس جنيهات لا يمثل كارثة بمقاييس ذلك العصر (1935).
وعلى ذلك، يصبح من الضروريّ إضفاء جو المأساة الخانقة على شخصياته من القتلة المقتولين، والذين راحوا ضحايا أقدار ظالمة وشخصيات بشرية تحركها نوازع فوارة، وأخيرًا هامش إجتماعيّ ضيق من جيران ومعارف تتشابك علائقها مع أفراد الأسرة. فهل يا ترى استطاع الإخراج توظيف تلك العلاقات بما يخدم الإفصاح عن جوهر ذلك العمل؟
ربما كان الأجدر بنا الإشارة إلى تلك اللمسات الرقيقة والبارعة، والتي يحفل بها النص الروائيّ، وتم اختزالها في العمل المسرحيّ. تلك الإشارات رغم بساطتها واحتلالها مساحة يسيرة داخل نسيج الرواية، إلا أنها كانت تركيزًا بالغ الكثافة في الكشف عن أعماق الشخصيات، وتبصيرًا للمتلقي بالبعد النفسيّ، والذي لا يمكن إدراكه في سرعة من ثنايا الحوار أو الفعل.
صحيح أن العرض المسرحيّ أبرز الجانب الطموح والانتهازي لدى شخصية "حسنين" (ممدوح عبد العليم) عندما يسلب أخوه "حسين" (حسين فهمي) فرصته في استكمال تعليمه العالي، وهو يدفع ثمن ذلك، التضحية بمستقبله والاكتفاء بوظيفة صغيرة حتى يوفي مصاريف تعليم "حسنين" في الكلية الحربية. لكن تطلعات "حسنين" لا تقف عند حد، ولا يرتوي لها ظمأ، فهو يسطو على أحلام أخيه العاطفية متمثلة في رغبته في خطبة "بهية" (يسرا)، ثم هو يلفظ "بهية" في اللحظة نفسها التي وجد نفسه يرتقي في سلم الحياة الاجتماعية عقب تخرجه ضابطًا بالجيش.
وإذا كان ضابط الجيش قد لبس ملابسه العسكرية يمشي مختالًا كطاووس بشريطه الأحمر على جانبيّ بنطلونه مزهوًّا بنجمتين فوق كتفيه، كل ذلك من مال حرام قبِله من بين يديّ "ثناء" (نجوى فؤاد) خليلة حسن، وكذلك من يد ذلك الأخ البلطجي تاجر المخدرات. لكن النص المسرحيّ يتجاهل نقودًا كريهة أخرى وأكثر تلوثًا، هي تلك العطايا والهبات التي كانت تنفحها "نفيسة" (شهيرة) لأخيها. بل أن "نفيسة" في النص الروائيّ تصبح أكثر المتحمسين لدخوله إلى سلك الضباط وهي تضاعف من جهدها في العمل كخياطة لدى الزبائن كحرفة تؤديها في الظاهر، وكذلك من احترافها الدعارة في الجزء الخفيّ من حياتها، وهكذا يصبح ذلك الطموح المرضيّ لـ"حسنين" عبئًا نفسيًّا فوق صدر "نفيسة"، ومن ثمَّ يتحول "حسنين" دون أن يدري إلى جلاد يسهم في لف الأنشوطة من حول عنق الضحية "نفيسة".
ولأن العرض المسرحيّ لم يضع في اعتباره دور "حسنين" في دفع أخته نحو القاع، فنراه وقد أبقى على حياته، وجعله يصرخ: "نفيسة .. نفيسة" في نهاية العرض وعند ستار الختام، وبعد أن كنا قد رأيناه منذ لحظة وهو يرتعش خوفًا على مستقبله الشخصيّ وهو عاجز لا يفعل شيئًا لإنقاذ أخته وهو يراها تفتح النافذة كي تنهي حياتها تحت سمعه وبصره!
ولقد تنبه "صلاح أبو سيف" إلى خطورة الابقاء على حياة "حسنين"، ومما تعنيه من دلالات، فنراه يصر على تغيير النهاية المفتوحة في النص الروائيّ، ويصدر حكم الإعدام على "حسنين" بأن يلقي بنفسه في النهر، فهو نموذج لا يستحق الحياة.
وكما أغفل العرض المسرحيّ لمسات بسيطة، لكنها أساسية لدى "حسنين" وأخته "نفيسة"، فهو يظلم شخصية "حسن"؛ صحيح أنه الابن الأكبر، وفشله الدراسي يعود إلى رخاوة الأب، لكن "حسن" كان ومازال يحمل تراث ذلك الأب في حبه للفن، أما من ناحية الأم فقد ورث عنها رابطة جيَّاشة وحبًّا فطرًّا للأسرة ودفئًا اجتماعيا، وإن كان لا يخلو من بعض التمرد، فهو لا ينشُد غير "اللقمة والمأوى وكأس كونياك وكم امرأة من النساء".
وهذه الملحوظات إن صلُحَت في الكشف عن شخصيات "حسنين" و"حسن" ونفيسة"، فهي أيضًا أكثر صدقًا ودلالة على بقية الشخصيات، وربما كان القارئ والمشاهد هما أكثر الأطراف المدعوَّة لاختبار جدية تلك الملاحظات أو الادعاءات.
وكم كنت أقف حائرًا أمام بعض المشاهد التي يحار المتفرج في تفسيرها وإدراك دور الإخراج منها عندما يقف "محمود ياسين" أو "فريد شوقي" أو "حسين فهمي"، وهو متردد لا يدري ماذا يفعل، والمخرج قد ألزمه بالقطع بالوقوف أو الجلوس أثناء حوار يدور بين الأطراف الأخرى. إن توظيف الممثل ليس فقط من خلال جمل الحوار، بل إن الحركة الشخصية و "الميزانسين" داخل مساحة الفراغ المسرحي، وتنوُّع وتناغم، وربما تنافر الكتل البشرية والأحجام داخل المنظور وفوق الرقعة الخشبية حيث يستطيع من خلالها المخرج أن يحتفظ بأكثر من بؤرة تركيز تستولي على انتباه المشاهد، أما أن تترك بعض الشخصيات ساكنة بلا حركة فوق خشبة المسرح، فهو بمثابة الحكم عليها بالإعدام أو قتلها علنًا على رؤوس الأشهاد مع سبق الإصرار والترصد.
ومن هنا تصبح تلك الشخصيات الصامتة دون حركة عبئًا على بقية شخوص العرض. وكثيرة هي تلك الفترات التي نجد فيها المسرح خاليًا رغم ازدحامه بكل أولئك النجوم. ورغم توفر جهاز إضاءة جديد تتوفر فيه إمكانيات عديدة، فإن استخدام الضوء طوال عرض المسرحية لم يكن واضحًا، كما أن الضوء كان ذا كثافة واحدة من ناحية شدة الاستضاءة، وهو ذا ملمس واحد مسطح وبلا معالم، فإضاءة الشارع أو حارة نصر الله لا تختلف عن إضاءة غرفة المعيشة داخل منزل أسرة "كامل علي"، وهي لا تختلف كثيرًا عن إضاءة الحانة!
كيف إذًا لنا أن ندرك حالة الخوف والتلصص التي تعاني منها "نفيسة" لحظة متعتها الخاطفة مع "سلمان" (فاروق الفيشاوي)، وكيف يتسنى لنا أن ندرك عمق المأساة التي تعانيها وهي تساوم الميكانيكي (أبو بكر عزت)، بل كيف لنا أن نستشعر حالة الفقر من إضاءة قوية داخل منزل الأسرة التي تعاني الفقر إلا ضوء مصباح الكيروسين، والذي تصر الأم كما في النص وكما حدث في الفيلم على اطفائه توفيرًا للنفقات حتى أثناء مذاكرة حسنين والذي يخرج إلى الشارع لاستكمال المذاكرة على ضوء فانوس النور أن وجود لمبة الجاز على حائط الديكور ليست من حليات الديكور أو من المتاع المهمل، بل هي جزء أصيل من دلالات النص.
متى وأين؟
لا شك أن الفنان "محمود ياسين" دينامو "جمعية فناني الجيزة" قد استطاع بمبادرته الشجاعة أن يصوغ باقة من أحب وأنجح نجوم الصف الأول في المسرح والسينما، وهو جهد فوق الطاقة، لا بد أن صادفته عثرات عديدة وعقبات متتالية من البعض الذي انتحل الأعذار أو تهرَّمن مسئولية التجربة أو حالت ظروفهم القاهرة عن المشاركة في هذا المشروع.
إن نجاح "محمود ياسين" في تجميع ذلك الحشد الكبير، والذي جاء كل أفراده متبرعين، وهو الأمر الذي فشلت جهات أخرى رسمية أو شبه رسمية في مناسبات أخرى عديدة.
ويصادفنا هنا سؤالين، الأول حول التوقيت، والذي أعتقد أنه لعب دورًا معاكسًا؛ فإن إختيار فترة امتحانات الثانوية العامة، ثم حلول شهر رمضان وازدحامه بالشُحنة السنوية من المسلسلات والأفلام والفوازير، وكذلك مباريات كأس العالم لكرة القدم، كلها كانت ذات آثار سلبية على العرض.
لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو، هل المسرح العائم هو المكان المناسب لذلك العرض؟
إن عملًا خيريًّا مثل تجربة "بداية ونهاية" يقوم على العمل التطوعيّ لكل المشاركين فيه بهدف جمع حصيلة نقدية توجه إلى بعض المشروعات هو هدف الجمعية، وكنت أرجو لو أن خطاب الجمعية لم يخطئه ساعي البريد.
فمازلت أظن أن أولئك اللذين في استطاعتهم خمسين جنيهًا للتذكرة ربما يغيب عنهم ذلك الحافز في تمويل حملة التبرعات من أجل فعل الخير، فلذلك المتفرج القادر لم يعد يحفل بما هو أصيل وحقيقيّ لكنه على استعداد فقط لدفع تكاليف حفل عيد ميلاد داعرة ألمانية وُجِدَت قتيلة في شقتها ذات صباح. وإذا كان ذلك المتفرج قد أصابه التبلد بفعل عوامل عديدة ليس مكان مناقشتها تلك العُجالة، إلا أنها جزء لا ينفصل عن الظاهرة الفنية المعاصرة، غير أنه إذا لم يعد ذلك المتفرج غير مكترث ولا عابئ بالفن الجميل، فلا أقل أيضًا من أن تبادله الشعور نفسه ولو إلى حين، أتمنى ألَّا يطول مداه.